أبو حفص ومغالطاته حول محمد بلعربي العلوي
محمد عبد الوهاب رفيقي وتقدمية بلعربي العلوي
لماذا كل هذا التداعي على محمد عبد الوهاب رفيقي؟ ألا تعلمون بأن بلعربي العلوي كان أكثر تقدمية منه؟
هكذا انتفض رفيقي في وجه منتقديه.
لقد كان شيخ الإسلام المغربي كذلك، ولكن ليس كما أراد أن يصوره لنا رفيقي.
يعدد محمد عبد الوهاب رفيقي المواقف التقدمية لشيخ الإسلام، فينطق بها تباعا كالآتي:
- الانخراط في معركة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ضد الدستور الممنوح (1962) وتقاسم المنصة مع رموز العلمانية والإلحاد (عبد الرحيم بوعبيد، عبد الرحمان اليوسفي، المهدي بن بركة…).
- رفض بعض الأحاديث في صحيح البخاري (حديث سحر الرسول، أحاديث المسيح الدجال…).
- دعوة البنات إلى التحرر من الفقه التقليدي.
- رفض الدعوة للحجاب عند ظهورها.
- عدم اعتبار الفوائد البنكية من الربا…
يتساءل رفيقي: لماذا لم يعد المجتمع المغربي يقبل النقد وتعدد الآراء الدينية بعدما كان يقبل كل ذلك زمن بلعربي العلوي؟
فيجيب: لأن الوهابية فعلت فعلتها فينا!
دعونا الآن نعدد شطحات أبي حفص المعرفية والتاريخية:
المثالية
لن يقول أحد بعدم تأثير الأفكار على الواقع المادي، إلا أنها لا تقلِب الواقع كأنها السحر. إنها تؤثر فيه إذا وافقت شرطها التاريخي، فهو من أنتجها وهو معيارها أيضا. ومن ذلك تستمد دراسة “أسباب النزول” أهميتها في علوم القرآن، وما ذلك عن أهل العلم ببعيد. فمن أين تأتت للوهابية خارقيتها حتى تجعل من المجتمع المغربي مجتمعا متشددا كما هو اليوم (بتعبير محمد عبد الوهاب رفيقي)؟ وهل فعلا نحن متشددون كما يصورنا رفيقي أم هي أوهام يتخبط فيها بحكم معركته النفسية مع الوهابية؟
المغاربة مهددون في قيمهم وثقافتهم الوطنية، وهم مستهدَفون بالسيولة الأخلاقية والعدمية الوطنية أكثر من أي شيء آخر. فأين هي الوهابية؟ وأين هي الإخوانية؟ وأين هو الفقه التقليدي؟ أين هو كل ذلك مما يتكلم عنه “الشيخ العولمي”؟
إن مثالية رفيقي تتجلى في عنصرين أساسين هما:
- هذا الذي ذكرناه، بإكسابه الأفكار قدرات ليست لها في مجتمع ما.
- تعلقه بطوبى المجتمع الحداثي، واحتفاله بتقدمية العصر الزائفة.
ما كان رفيقي ليجعل من “حداثته” مثالا، لو أنه كان يعلم واقعها المادي وشروطها التاريخية في النطاق الزمني والمكاني لنشأتها وتطورها.
وما كان ليحتفل بما يظنه “تقدمية عصرنا الحالي”، لو علم أن النظام الرأسمالي العالمي في أزمة، وأن كثيرا من تلك “التقدمية” ما هو إلا تصدير لأزمات الغرب (المقصود هو الغرب الرأسمالي) الأخلاقية.
عدم التمييز بين الحداثة وما بعد الحداثة
إنه خطأ معرفي فادح، كثيرا ما يسقط فيه دعاة “التنوير” و”الحداثة”.
الخلط بين الحداثة وما بعدها، هو خطؤهم الفادح. إنه الخلط الذي يجعلهم يعتبرون كل مظاهر ما بعد الحداثة من مظاهر الحداثة، فيجنون بذلك على كثير ممن ليست لهم القدرة على التمييز ولا على النقد والمقاومة.
إن الحداثة ليست هي السيجارة والجعة والجنس الحيواني والأنانية والاحتكار واحتقار الشعوب والمجتمعات… فكل ذلك من مظاهر ما بعد الحداثة ليس إلا.
فما هي الحداثة إذن؟
عند عبد الصمد بلكبير، الحداثة مشترك إنساني ساهمت فيه البشرية جمعاء. وعنده أيضا، فإن عنصري الحداثة الأساسيين هما: الصناعة باعتبارها تمثل الجزء الاقتصادي للحداثة، والديمقراطية باعتبارها تمثل الجزء السياسي لها.
هذا ما ذهب إليه مصطفى فضل النقيب أيضا، وذلك عندما اعتبر الحداثة تجسيدا لثلاث ثورات [1]:
- ثورة اقتصادية قادتها البورجوازية ضد الإقطاع.
- وثورة سياسية قادها الديمقراطيون ضد الحكم المطلق.
- ثم ثورة علمية قادها الفلاسفة والعلماء والمثقفون ضد الكنيسة.
كثيرون هم أولئك الذين ينظرون إلى الحداثة كثورة ضد الكنيسة فقط، أو ضد الكنيسة والحكم المطلق دون غيرهما. وهذا هو عينه التفكير المثالي الذي يمثل رفيقي أحد امتداداته اليوم، بهدف خدمة الرأسمالية المتوحشة بقصد أو بغيره.
فالثورة ضد الكنيسة لا تفسر شيئا، وكذلك الثورة ضد الحكم المطلق. فقد كانت مواجهة الكنيسة من مواجهة تعاليمها الرافضة للابتكار والاكتشاف، ولم تكن قوى الإنتاج البورجوازية لتتطور إلا بهما. وقد كانت مواجهة الحكم المطلق من مواجهة التدابير والسياسات الإقطاعية، تلك السياسيات التي كانت تعرقل النمو الطبيعي لقوى الإنتاج البورجوازية بلا شك.
لم تكن الانتقادات اللاذعة الموجهة للكنيسة هي الأصل، ولا تلك الثورات الموجهة ضد الحكم المطلق هي الأصل (الثورة الفرنسية، سنة 1789). لم يكن آخر أمير ليُشنَق بأمعاء آخر قسيس، لولا إيذان نمط الإنتاج الإقطاعي باقتراب نهايته. فما لمدعي “الحداثة” يقلبون الحكاية رأسا على عقب؟ وكيف تسمح لهم أنفسهم بالاصطفاف مع العدو (الرأسمالية المتوحشة) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟
الانتقائية
لقد كان بلعربي العلوي المجددَ الفعلي للسلفية والتدريس العتيق في القرويين، وما طلبته إلا خير شهيد على ذلك. إنه كان يمثل ذلك الشيخ المنتفض في وجه الفقه التقليدي الإقطاعي، فأبلى البلاء الحسن وحرض علال الفاسي ومحمد المختار السوسي على فعل نفس الشيء.
يقول علال الفاسي: “غير أن هذا نفسه (ترحيب المولى سليمان بالثورة الوهابية، دعوة الشيخ عبد الله السنوسي، اتصال محمد عبده ببعض النخب المغربية، رجوع المصلح الكبير أبي شعيب الدكالي وتأييد المولى عبد الحفيظ لدعوته) لم يكن إلا مقدمة أولى للحركة السلفية التي دعا إليها وبثها وخرج رجالها أستاذنا العلامة المصلح السيد محمد بن العربي العلوي حفظه الله، فقد كان لهذا الرجل من الجرأة والإقدام والثبات ما جعله يلاقي في دعوته نجاحا كبيرا وإقبالا عظيما” [2].
في نفس الكتاب (الحركات الاستقلالية في المغرب العربي)، يحكي زعيم جيش التحرير عن الجهود التي بذلها محمد بلعربي العلوي لتجديد العقائد وإحياء الدعوة السلفية وبث روح الوطنية ومواجهة خيانة بعض الطرق الصوفية. لقد كان شيخ الإسلام يساهم في ذلك بقوة من خلال المحاضرات والدروس والكتابات، فكان بحق من الذين دفعوا في اتجاه “امتزاج الدعوة السلفية بالدعوة الوطنية”. فالدعوة السلفية مجموعة من الأفكار وافقت حاجة مجتمع إلى التحرر والاستقلال والخروج من ضيق الاستعمار، كما أنها وافقت حاجة قيادة الدولة المغربية إلى استعادة سلطتها. هذا هو ما سماه علال الفاسي: “الأسلوب المتبع في المغرب”، وهو عينه الأسلوب الذي “أدى إلى نجاح السلفية لدرجة لم تحصل عليها حتى في بلاد محمد عبده وجمال الدين” [3].
إننا لا نعتد كثيرا بالانتقائية التي يسقط فيها كثير من “الحداثويين” المغاربة، إذ يأخذون من سير الرجال والمصلحين ما يسعفهم لإنجاح مهامهم التفكيكية. فيغفلون -بقصد أو بغيره- عن الجوهر في فكر ومواقف كل مصلح أو مقاوم، ويزيفون أحيانا كثيرا من الحقائق التاريخية.
ألم يحسب بعضهم محمد بلعربي العلوي من رواد التصوف الطرقي دون تمييز بين مرحلتين من حياته؟
أليس هناك من يريد أن يجعل من تصوفه هذا شماعة يعلق عليها استياءه من الأوجه السلفية المحافظة الفاعلة في التاريخ؟
ينفي عبد الصمد بلكبير عن شيخ الإسلام استمراره في الانتماء لأي طريقة صوفية بعد خروجه من “مراهقته الأولى بتافيلالت”، فتلك حقيقة تقول بها سيرة هذا الرجل الكبير. إن بلكبير يهتم بالموقف التاريخي لبلعربي العلوي أكثر من أي شيء آخر، ولكنه يدافع عن حقيقة سيرته حتى لا يزايد عليه أحد من رموز “التبعية الجديدة”.
في هذا السياق، يوجه بلكبير نقده اللاذع لرئيس الرابطة المحمدية للعلماء إذ جعل الطرقية ملازمة لشيخ الإسلام في كل مراحل حياته. والحقيقة أن الطرقية “مراهقة أولى”، ومحاربة الشيخ لعمالة الطرقيين رواية ثابتة، ونضاله السياسي زمن الاستعمار العسكري وبعده أمر معروف [4].
يتكلم لنا رفيقي كثيرا عن تمرد شيخ الإسلام وتقدميته، ولكنه ينسى أن يحدثنا عن: “مثابرته وحبه للقراءة والاطلاع، وإتقانه للعلوم، واستقامته ونزاهته وتواضعه، وجوده وكرمه وعنايته بطلبة العلم، وشجاعته، وصبره وتحمله، ونضاله ودعوته ومقاومته” [5].
كل ما أورده محمد عبد الوهاب رفيقي في حق شيخ الإسلام، لا نراه إلا داخلا في نفس المعركة التي ابتدأها الشيخ قبل أن تنبعث الحركة الوطنية الحديثة في المغرب. إلا أنه أورده في سياق معركة أخرى، وأراد أن يخدم به طرفا لم يكن ليرضاه عن نفسه في حياته.
الأحادية
هل يمكن للتقليد أن يصبح تقدمية؟ هل يمكن للخرافة أن تخدمنا في التاريخ؟
نعم، فكل ذلك ممكن. التقدمية بنت التاريخ، وكم من يقين يكون أولى من شك لا يبقي ولا يذر. الحرية للناضجين، ويد الدولة والفقه على القاصرين أمر لازم.
يقول إسماعيل المهدوي: “فالفكرة التقدمية هي التي تدفع تقدم التاريخ أو تساعد على التطور والشعور بإنسانيته واستكمال سيطرته على نفسه وعلى المجتمع وعلى الطبيعة. أما الفكرة الرجعية فتلعب على عكس ذلك دورا ضد التقدم، وتلوي عنق الإنسان لترجع به القهقرى، وتدفعه إلى الانتكاس عن المستوى الحضاري الذي تحقق له. فالفكرة قد تكون تقدمية في مرحلة سابقة من مراحل التاريخ، ثم تصبح رجعية في مرحلة أخرى” [6].
التقدمية إذن ملازمة لما هو تاريخي، أي ما يكون الناس في حاجة إليه ليعيشوا و”يحسنوا حياتهم” (“تحسين الحياة” بتعبير إلياس مرقص) في مرحلة من مراحل التاريخ. ربما هذا ما جعل عبد السلام المؤذن يقر بتقدمية النبي محمد في مقالته “النبي محمد والدولة القومية العربية”، فقد كان هذا الرسول العظيم ابن بيئته حقا. أحسن مخاطبة قومه وفق ثقافتهم، وأفحمهم انطلاقا من لغتهم بلاغة وإيقاعا، ونقلهم من القبيلة المحاصرة إلى الدولة المتوسعة. ثلاث عبقريات يقف عندها المؤذن: الإيديولوجية (التوحيد)، السياسية (التحالفات، التنازلات، الهجرة)، العسكرية (القيادة، التحريض، قبول المقترحات الناجعة)… عبقريات من خلالها يستنتج عبد السلام المؤذن عبقرية رسولنا العظيم. إنها نفس الرؤية التي جعلت عزيز العظمة يبحث في كتب التراث، حيث التنقيب عن تقدمية غابرة أصبحت اليوم رجعية. أصبحت كذلك بسبب عدم فهمها في سياقها التاريخي، والمطلوب اليوم أن نقدِّر تقدمية أعلامنا القدامى في ذات السياق.
الموقف من التقليد جدلي إذن، قبول في العمل ورفض في المختبر. هذا هو الفرق بين المناضل السياسي والعالم المتخصص، وهذا هو ما يدفعنا إلى التمييز بين “الطوبى والنظرية” [7]. لا يهتم محمد عبد الوهاب رفيقي بكثير من هذا، فلا هو من المناضلين السياسيين ولا هو من العلماء المتخصصين.
إنه “متكلم بلا منهج”، يدعونا إلى التعدد دون أن نعرف مع من.
اليسار الوطني ورجعية محمد عبد الوهاب رفيقي
كل هذا خطير، وأخطر منه أن يساق اليسار كمرادف للعلمانية والإلحاد.
هنا بالضبط يصبح الموقف لا علميا ولا تقدميا ولا تاريخيا ولا وطنيا، وهنا بالضبط يخدم أبو حفص غاية (=الرجعية) غير تلك التي يدعيها لنفسه (=التقدمية).
فلنذَكّر، إذن، رفيقي بإشكاليات اليسار الوطني. فلنذكره بها، ولنقل له أن لا علاقة لها بالإلحاد والعلمانية.
أولا: بول باسكون والتحرر العلمي والتنموي.
لقد ناضل بول باسكون في سياق الاستعمار العسكري، كما ناضل في سياق الفترة التي تلته.
ومن منطلق تخصصه (علم الاجتماع)، ساهم في معركة تنمية مغرب الاستقلال وكذا في مواجهة الخلفيات الإيديولوجية لتوظيف العلوم لصالح الاستعمار قديمه وجديده.
الحرية كانت في تصوره إذن:
- حرية اقتصادية اجتماعية، بهدف تحقيق التنمية المستقلة.
- حرية علمية، بهدف الاستقلال بالإنتاج العلمي لصالح الوطن.
ثانيا: عزيز بلال والتحرر من التبعية الاقتصادية والإيديولوجية والتكنولوجية.
وكان عزيز بلال من الذين استوعبوا الجذور التاريخية للاستعمار العسكري، ثم التحولات التي عرفها الاستعمار لينتقل من شكله العسكري القديم إلى شكلها الاقتصادي الإيديولوجي الجديد.
لقد كان كل همه هو رصد تجليات التبعية على مستوى:
- الصناعة، حيث التصنيع وفق حاجة المركز.
- السوق، حيث العرض وفق التقسيم الدولي للسوق.
- البنوك، حيث الخضوع لعملة المركز واستثماره البنكي.
- التكنولوجيا، حيث عرقلة المشاريع الوطنية الجادة لاكتساب “قدرة تكنولوجية وطنية”.
- الاستثمار، حيث تشتيت الرأسمال.
- الإيديولوجيا، حيث تبخيس دورها وتفكيك العوامل غير الاقتصادية….
هذا هو المشروع التحرري الذي اهتم به عزيز بلال، دون أن يضيع تركيزه بشيء آخر.
ثالثا: عبد السلام الموذن وتأطير التحرر الاجتماعي بنظيره الوطني.
أما عبد السلام الموذن، فقد كان مهتما أيما اهتمام بالتحرر الطبقي والوطني. وأكثر من ذلك كان يؤطر معركته الطبقية بالمعركة الوطنية، كما حدث في موقفه من:
- تظافر جهود جميع الطبقات والفئات (بورجوازية كبيرة، بورجوازية صغيرة، عمال، فلاحون…) لمواجهة الاستعمار العسكري.
- المنجزات التي راكمتها الرأسمالية المغربية التبعية غداة الاستقلال، من توظيف وفتح للمدارس…
- “قضية الصحراء المغربية”، حيث قال برجعية من يدعم موقف البوليزاريو ويقف إلى جانب البورجوازية العسكرية الكبيرة الجزائرية في تحقيق مصالحها…
- المد الفرنكفوني في المغرب، حيث رفض الازدواج اللغوي وبيَّن المصالح الرأسمالية التي يخدمها…
- الدين، حيث اعتبره عنصرا أساسيا من عناصر الهوية الوطنية. وهو العنصر الذي تكاثفت فيه كل العناصر الأخرى في معركة وادي المخازن، ومن المحتمل أن يحدث نفس الشيء حسب شروطنا التاريخية…
لقد كان تفكير عبد السلام الموذن في الحرية مؤطرا بالتاريخ، ولذلك نظر إلى معركته الطبقية في إطاره الوطني وليس في غيره.
رابعا: عبد الصمد بلكبير ومعركته في وجه “الاستشراق الجديد”.
كان بإمكان عبد الصمد بلكبير أن يطلب السهولة في المواقف والتحاليل كما فعل كثيرون، وكان بإمكانه أن يعيش على الحنين جامدا على مواقف اليسار في زمن غير هذا الزمن. ولكنه على العكس من ذلك، فكر وقدر منطلقا مما يلي:
- مراجعة موقف الماركسية من الدين.
- تحديد “التناقض الرئيس” في مغرب القرن الحادي والعشرين.
- الدفاع عن الإيديولوجيا وضرورة تجديدها في مواجهة النزعات العِلموية المعاصرة.
- النظر إلى التقليد نظرة جدلية تقبل به وتدعمه في سياقات تاريخية مختلفة.
- دعوة الجميع إلى حل مشاكلنا على ضوء إشكالياتنا (العالم الثالث) لا على ضوء إشكالية الآخر (المركز)…
وبهذا حرر بلكبير نفسه، وحررنا معه من:
- الموقف السلبي من الماركسية باعتبارها عقيدة تعادي الدين.
- مواجهة الاستبداد في غياب استحضار عامل الاستعمار.
- الوضعانية العلمية المقللة من شأن كل إيديولوجيا تحريرية.
- الحكم على التقليد خارج سياقه التاريخي.
- مناقشة مشاكلنا الثقافية والاقتصادية والسياسية على ضوء إشكاليات المركز، وهنا كنا نبرز حاجتنا: إلى الحرية الفكرية بدل الانضباط والصلابة والالتزام الوطني، وإلى اقتصاد الشركة بدل اقتصاد الدولة، وإلى الديمقراطية التشاركية بدل الديمقراطية التمثيلية…
كلها إشكاليات نبهنا بلكبير إلى أنها إشكاليات المركز وليس الأطراف، في حين أن إشكاليتنا الحقيقية هي:
البحث عن مدخل ثقافي إيديولوجي وسياسي لمواجه الاستعمار الجديد (“الاستشراق الجديد” هو أداته الثقافية والمعرفية).
هذا هو المشروع التحرري لعبد الصمد بلكبير في زمن استهداف ذاكرة الإنسان وقيمه والتزامه الوطني.
******
هذه بعض النماذج فقط، وهذا غيض من فيض فحسب.
فأين هو “اليسار العولمي” من هذه المواقف والتفاسير؟ وأين هم رجاله الحاليون مما نحن فيه من تبعية واستعمار جديد؟ وأين هو “الشيخ العولمي” من هذا كله؟
خاتمة المقال
لن نجد مشتركا معرفيا في النقاش مع محمد عبد الوهاب رفيقي حتى يعلم أن:
- الأفكار تؤثر في الواقع المادي وفق شروط تاريخية.
- الحداثة ليست هي ما بعد الحداثة.
- الرجال ينصَفون في التاريخ لا خارجه.
- التقدمية بنت التاريخ.
- اليسار الوطني ليس هو اليسار “العولمي”، والماركسية لا تعني الإلحاد بالضرورة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مصطفى فضل النقيب، الحداثة ومثقفو التبعية العربية الجديدة، اتصالات سبو، 2012.
[2] علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، دار الطباعة المغربية، 1948، ص 133.
[3] نفسه، ص 134.
[4] عبد الصمد بلكبير، مقال بعنوان: “نقدات عابرة”.
[5] راجع كتاب: “حياة شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي: العالم المفكر والمصلح المناضل”، حماد القباج، طوب بريس، الطبعة الأولى، 2014.
[6] إسماعيل المهدوي، نقد الإمام أبو حامد الغزالي، منشورات الملتقى، ص 7.
[7] بتعبير: عبد الله العروي، في “مفهوم الدولة”.